الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أراد: طلل موحش، وحاله في الوصل حال ما قبله من الإعراب كقوله تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذه القرية الظالم أَهْلُهَا} [النساء: 75] قال ذو الرمّة: أراد معسفه مجهول وإنّما نصب لانتصاب النازح.وقال النابغة: أراد أنّ أكارعه مَوشيّة.{وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} كان حقّه وأسرّ لأنه فعل تقدّم الاسم فاختلف النحاة في وجهه، فقال الفرّاء: الذين ظلموا في محلّ الخفض على أنّه تابع للناس في قوله: {اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}.وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير أراد والذين ظلموا أسرّوا النجوى.وقال قطرب: وهذا سائغ في كلام العرب وحُكي عن بعضهم أنه قال: سمعت بعض العرب يقول: أكلوني البراغيث قال الله سبحانه {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} [المائدة: 71]. وقال الشاعر: ويحتمل أن يكون محل الذين رفعًا على الابتداء، ويكون معناه وأسَروّا النّجوى، ثمّ قال هم الذين ظلموا.{هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} أنّه سِحر {قَالَ رَبِّي} قرأ أكثر أهل الكوفة قال على الخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ الباقون قل على الأمر له {يَعْلَمُ القول فِي السماء والأرض وَهُوَ السميع} لأقوالهم {العليم} بأفعالهم {بَلْ قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} أي أباطليها وأهاويلها {بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} يعني أنّ المشركين اقتسموا القول فيه: فقال بعضهم: أضغاث أحلام، وقال بعضهم: بل افتراه، وقال بعضهم: بل محمد شاعر، وهذا الذي جاءكم به شعر، لأنَّ بل تأتي لتدارك شيء ونفي آخر.{فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ} إن كان صادقًا {كَمَا أُرْسِلَ الأولون} من الرسل بالآيات. قال الله سبحانه مجيبًا لهم {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ} أهل قرية أتتها الآيات فأهلَكِناهم {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} إن جاءتهم آية... {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نوحي إِلَيْهِمْ} وهذا جواب لقولهم {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} {فاسئلوا أَهْلَ الذكر} أي التوراة والإنجيل يعني علماء أهل الكتاب {إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وقال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن يعني فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن، قال جابر الجعفي: لما نزلت هذه الآية قال عليّ: نحن أهل الذكر.{وما جَعَلْنَاهُمْ} يعني الرسل الأولين {جَسَدًا} قال الفرّاء: لم يقل أجسادًا لأنّه اسم الجنس {لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} يقول: لم نجعلهم ملائكة، بل جعلناهم بشرًّا محتاجين إلى الطعام، وهذا جواب لقولهم {مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام} [الفرقان: 7] {وما كَانُواْ خَالِدِينَ} في الدنيا {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الوعد} الذي وعدناهم هلاك أعدائهم ومخالفيهم وإنجائهم ومتابعيهم {فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نشاء وَأَهْلَكِنا المسرفين} المشركين.{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} قال مجاهد: حديثكم، وقيل: شرفكم.{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} أي أهلَكِنا، والقصم: الكسر يقال: قصمت ظهر فلان، وانقصمت سنة إذا انكسرت.{وَأَنشَأْنَا} وأحدثنا {بَعْدَهَا} بعد إهلاك أهلها {قَوما آخَرِينَ فَلَمَا أَحَسُّواْ} رأوا {بَأْسَنَا} عذابنا {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} يسرعون هاربين، يقال منه: ركض فلان فرسه إذا كدّه بالرجل، وأصله التحريك.{لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} نُعّمتم فيه {وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} عن نبيّكم، مجاهد: لعلكم تفقهون بالمسألة، قتادة: لعلّكم تسألون من دنياكم شيئًا استهزاءً بهم، نزلت هذه الآيات في أهل حصورا وهي قرية باليمن، وكان أهلها العرب فبعث الله إليهم نبيًّا يدعوهم إلى الله سبحانه فكذّبوه وقتلوه، فسلّط الله عليهم بخت نصّر حتى قتلهم وسباهم ونكّل بهم، فلمّا استحرّ فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا، فقالت الملائكة لهم على طريق الاستهزاء {لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} إلى مساكنكم وأموالكم، فأتبعهم بخت نصّر وأخذتهم السيوف، ونادى مناد من جوّ السماء: يالثارات الأنبياء، فلمّا رأوا ذلك أقرّوا بالذنوب حين لم ينفعهم فقالوا {ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} قولهم وهجّيراهم {حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} بالسيوف كما يحصد الزرع {خَامِدِينَ} ميّتين.{وما خَلَقْنَا السماء والأرض وما بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} عبثًا وباطلًا {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا} قال قتادة: اللهو بلغة أهل اليمن المرأة.وقال عقبة بن أبي جسرة: شهدت الحسن بمكة وجاءه طاووس وعطاء ومجاهد فسألوه عن هذه الآية، فقال الحسن: اللهو: المرأة. وقال ابن عباس: الولد.{لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ} من عندنا وما اتّخذنا نساءً وولدًا من أهل الأرض، نزلت في الذين قالوا اتّخذ الله ولدًا.{إِن كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ} نأتي ونرمي وننزل {بالحق} بالإيمان {عَلَى الباطل} الكفر {فَيَدْمَغُهُ} فيهلكه، وأصل الدمغ شجّ الرأس حتى يبلغ الدِماغ {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} ذاهب وهالك.{وَلَكُمُ الويل} يا معشر الكفّار {مِمَا تَصِفُونَ} لله بما لا تليق به من الصاحبة والولد. وقال مجاهد: ممّا تكذبون، ونظيره قوله: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} [الأنعام: 139] أي تكذيبهم.{وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض} عبدًا وملكًا {وَمَنْ عِنْدَهُ} يعني الملائكة {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ}.قال ابن عباس: لا يستنكفون، مجاهد: لا يجسرون، قتادة ومقاتل والسدّي: لا يعيون، الوالبي عن ابن عباس: لا يرجعون، ابن زيد: لا يملّون.{يُسَبِّحُونَ اليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} لا يضعفون ولا يسأمون، قد أُلهموا التسبيح كما تلهمون النَّفَس.{أَمِ اتخذوا آلِهَةً مِّنَ الأرض} يعني الأصنام {هُمْ يُنشِرُونَ} يحيون الإموات ويخلقون الخلق.{لَوْ كَانَ فِيهِمَا} أي في السماء والأرض {آلِهَةٌ إِلاَّ الله} غير الله {لَفَسَدَتَا} وهلك من فيهما.{فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَا يَصِفُونَ لاَ يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ} لأنه الرب {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} عما لا يعلمون لأنهم عبيده.{أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} على ذلك، ثمَّ قال مستأنفًا {هذا} يعني القرآن {ذِكْرُ} خبر {مَن مَّعِيَ} بيان الحدود والأحكام والثواب والعقاب {وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} من الأمم السالفة وما فعل الله بهم في الدنيا وما هو فاعل بهم في الآخرة {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} عن القرآن.{وما أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ} قرأ أكثر أهل الكوفة بالنون وكسر الحاء على التعظيم لقوله: أرسلنا، وقرأ الباقون بالياء وفتح الحاء على الفعل المجهول.{أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله {سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} يعني الملائكة {لاَ يَسْبِقُونَهُ} لا يتقدّمونه {بالقول} ولا يتكلّمون إلاّ بما يأمرهم به.{وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى}.قال ابن عباس: هم أهل شهادة أن لا إله إلاّ الله، وقال مجاهد: لمن رضي الله عنه، {وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} خائفون. اهـ.
|